الحمد لله رب العالمين، واسع الفضل والوجود، جزيل العطاء الذي يُعطيه في الدنيا والآخرة بلا حدٍ محدود، سبحانه سبحانه نسأله عز وجل أن يسعنا في الدنيا بفضله وجوده وبره أجم***، وأن يجعلنا من أهل مقامات السعادات العُظمى يوم الدين، في جوار خير النبيين والمرسلين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُحب التوابين ويُحب المتطهرين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الرحمة العُظمى لنا وللخلق أجم***، الحريص علينا والشفوق بنا، والذي وصفه بذاك ربه في كتابه المبين فقال:
? لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ? (128التوبة).
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين، وعلى صحابته المباركين، وعلى كل من اهتدى بهديه ومشى على هديه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم ومنهم أجم*** آمين آمين يا رب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
تعالوا معاً ننظر إلى قطرة من رحيق عناية الله تعالى بنا جماعة المؤمنين أجم***، وإلى شفقة وحدب وحرص الرسول صلى الله عليه وسلَّم على أمته، وعلى أهل الإسلام أجم***:
علم الله عز وجل وهو العليم الحكيم أن الدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي المقر وال**تقر، وكل ما يحتاجه العبد ليكون عزيزاً عند الله، كريماً في الدنيا والآخرة بين خلق الله، أن يكون له منزلةٌ كريمةٌ يخرج عليها من الدنيا عند مولاه تبارك وتعالى.
وعلم الله عز وجل عجزنا وقصورنا في هذه الحياة الدنيا، لشواغلها الكثيرة وأحوالها العجيبة، والنفس معنا وقد جُبلت على تسبيط الهمم عند الطاعات، والشيطان ي***ها على تحقيق هذه الأشياء، **ان كرم الله عز وجل علينا لا يُحد.
قيَّض الله عز وجل لهذه الأمىة الكريمة أن يكونوا عند لقاء الله في أعلى المقامات، وما أعلى المقامات في كتاب الله؟ في قول الله تبارك وتعالى:
? وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ ? (69ال****).
وهم الذين نسأل الله أن نكون منهم في ركعة من ركعات الصلاة، فنقول له ضار*** سائلين:
? اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ? (7) (الفاتحة).
من الذين أنعم عليهم الله بالمقام العلي والكرم والجود الإلهي؟
? فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ الله ? (70) (ال****).
أما منزلة النبوة فهذا إصطفاء واختيار واجتباء من الله تبارك وتعالى، ومع ذلك قربنا الله عز وجل بفضله وجوده إلى قرب القرابة منها، فقال حبيبه صلى الله عليه وسلَّم:
(من حفظ القرآن بين **بيه، **أنما وعى النبوة بين **بيه إلا أنه لا يُوحى إليه).
يكون في مقام النبيين ما دام حافظاً وعاملاً بكلام رب العالمين عز وجل.
أما مقام الصديقين فقد جعلنا الله عز وجل فيه أجم***، ما دمنا قد صدَّقنا به الله، وبما جاء به رسولنا من عند الله، وبكل ما جاء في كتاب الله:
? وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ? (33الزمر).
وأما مقام الشهداء، وما ادراك ما الشهداء؟
لهم عند الله عز وجل ما لا نستطيع حصره من الفضل والخير والتكريم والجزاء، فإن الشهيد عند الله عز وجل يُغفر له عند أول قطرة تنزل من دمه كل ذنبٍ فعله، يُتوَّج يوم القيامة بتاج الوقار، ولا يخشى هماً ولا باساً ولا نصباً يوم الدين، ويُشفَّع في سب*** من أهله كلهم قد استوجب النار، ويدخل ال**ة مع الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، ويُنعم في قبره بروضة من رياض ال**ة، ويكون من الآمنين يوم الدين:
? أُولَئِكَ لَهُمُ الامْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ? (82الأنعام).
هذه الإكرامات وغيرها جعلها الله عز وجل للشهداء، وأعلى الشهداء مقاماً هو الشهيد في سبيل الله، وهم ثلاثة أصنافٍ ذكرهم في حديثه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
(من قاتل في سبيل الله فمات فهو شهيد، ومن قاتل دون ماله فمات فهو شهيد، ومن قاتل دون عرضه فمات فهو شهيد).
الشهداء هم أصحاب المنازل العالية والدرجات الراقية الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله، يُحاربون الكافرين والمشركين والمناوئين لهذا الدين طلباً لإعلاء شأن دين الإسلام.
ومن هُوجم في نفسه فدافع عن نفسه فمات، ومن أراد أحدهم إستلاب عِرضه أو إحدى نسائه، فدافع عنها فمات فهؤلاء هم أعلى الدرجات في الشهادة عند الله.
ومع ذلك جعل نبينا صلى الله عليه وسلَّم أغلب من يموت في هذه الأمة من الشهداء، وقال صلى الله عليه وسلَّم مبيناً سعة الفضل الإلهي:
(أكثر شهداء أمتي أصحاب الفُرش).
أي الذين ماتوا على فراشهم، لا بس** دمٍ ولا غيره، ولما رأى عجب أصحابه صلوات ربي وتسليماته عليه، قال لهم متسائلاً ليبين لهم:
(ما تظنون الشهيد فيكم؟ قالوا: الذي قُتل في سبيل، قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل، ولكن المبطون شهيد ـ يعني الذي يموت في داءٍ في بطنه أياً كان فهو شهيد عند حضرة الرحمن عز وجل إن مات في دائه و***ه هذا ـ والغريق شهيد ـ الذي غرق رغماً عنه، وليس الذي يُلقي بنفسه ليغرق لأن هذا منتحر، وهذا تحرم عليه ال**ة لأنه إنتهك نفساً حرم الله عز وجل ***ها ولو كانت نفسه التي بين **بيه.
والغريق شهيد، والحريق شهيد، والنفساء شهيدة).
والنفساء التي تموت في ولادتها، أو عقب ولادتها مباشرةً فهي شهيدة عند الله.
وعد النبي صلى الله عليه وسلَّم في أحاديث أُخرى، جمعها السادة العلماء الأتقياء الأنقياء فوجدوها أكثر من أرب*** خُصلة كلها تجعل صاحبها شهيداً عند الله، وإذا قرأناها أو سمعناها فلا يخلو **لماً في أي زمانٍ أو مكان إلا بخُصلة من هذه الخُصل ليموت شهيداً عند الله تبارك وتعالى فضلاً من الله ومنة والله عزيز حكيم.
نشير إلى بعضها في عُجالةٍ سريعةٍ حتى لا نطيل عليكم، فيقول صلى الله عليه وسلَّم:
(والغريب شهيد الذي مات بعيداً عن موضع إقامته ـ ولو كان حتى في بلدته ، فهو شهيدٌ عند الله عز وجل ـ والذي رفسته دابة فوقع من فوق دابةٍ فمات فهو شهيد، والذي وقع عليه جدارٌ فمات فهو شهيد، وطالب العلم إذا مات أثناء طلبه لعلم لوجه الله فهو شهيد، وال**** بالحمَّىى إذا مات في ***ه فهو شهيد).
عدَّ النبي أنواع الشهداء حتى نعلم علم اليقين فضل الله علينا، وإكرام الله تبارك وتعالى لنا جماعة ال**لمين.
ولم يكتفي صلوات ربي وتسليماته عليه بذلك بل دلنا على أعمالٍ إذا واظب الرجل منا على عملٍ منها ومات كُتب شهيداً، فقال صلى الله عليه وسلَّم على سبيل المثال:
(من قرأ باسم الله الرحمن الرحيم ثلاث ثم قرأ الآيتين في أواخر سورة الحشر:
? هُوَ الله الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ الله الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ الله الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الاسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? (24) (الحشر).
إلى آخرها فمات في يومه مات شهيداً، فإذا قرأها في ليلته إن مات في ليلته مات شهيداً).
ودلنا النبي صلى الله عليه وسلَّم على سيد الإستغفار، جعل للإستغفار سيداً وعظيماً ودعانا إلى أن نقوله بعد صلاة الصُبح، وبعد صلاة المغرب وقال فيه صلى الله عليه وسلَّم كما رواه الصحيحين البخاري و**لم:
(اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت،
أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
قال فيه صلى الله عليه وسلَّم عقبه:
(من قاله في يومه فمات مات شهيداً وأُدخل ال**ة، ومن قاله في ليلته فمات، مات شهيداً وأُدخل ال**ة).
ما أسهل الحصول على درجة الشهادة، وما أسهل دخول ال**ة لمن يوفقه الله عز وجل للعمل بالسنة، واتباع ****يب المختار فتلك أمورٌ يسيرة لكنها ذات أجورٍ كبيرة.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا إليها أجم***.
قال صلى الله عليه وسلَّم:
(من قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو سبيل الله).
أو كما قال:
أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الذي أكرمنا بالهدى والنور وجعلنا من عباده المؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُحق الحق ويُبطل الباطل في قلوب عباده الصادقين، نسأل الله عز وجل أن نكون منهم أجم***.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الشفوق الرحيم بالمؤمنين، والصاحب لكل مؤمنٍ في **يرة حياته ليدله على ما يُحبه الله ويرضاه، والشفيع الأعظم للجميع يوم لقاء الله.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجم***.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
جعل نبيكم صلوات ربي وتسليماته عليه لأمرٍ آخر عظيم، أن يحصل الإنسان به وبشأنه على درجة الشهادة بمجرد الت**ير فيه، هذا الأمر العظيم هو صمام الأمن في كل المجتمعات في كل وقتٍ وحين، مالذي يجعل الناس تتجه إلى الله وتخاف الوقوع في معاصي الله، وعمل ما يُغضب الله؟
تذكر لقاء الله وتذكر الموت وأنه لابد يوماً سيخرج من الدنيا للقاء مولاه، وتذكر الآخرة وعلمه بأنه سيُعرض في هذا اليوم وسيراه جميع الخلق وتُعرض أعماله كلها على الجميع، ولا منجاة في ذلك اليوم إلا ****يب الشفيع صلى الله عليه وسلَّم.
فأمرنا معشر المؤمنين أن نضع هذه ال**رة في بالنا على الدوام، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
(من تذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة، إن مات طُبع بطابع الشهداء، وكان يوم القيامة في ال**ة إن شاء الله رب العالمين).
نحتاج دواماً جماعة المؤمنين إلى تذكر هذا الأمر وخاصة أننا نعلم أنه أقرب إلينا من حبل الوريد.
ربما يتنفس الإنسان ولا يرجع النفس مرةً أخرى إلى صدره، ويخرج للقاء الله، وربما ينام ولا يستيقظ من نومه، وربما يجلس في مكانٍ ونحركه من فوق الكرسي نجده قد فارق دنيانا ورحل إلى الله:
? وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ? (34لقمان).
الموت يقصر الأمل، فيحول العمل إلى العمل الصالح، فإذا سهى الإنسان أو نسي الأجل، طال أمله في الدنيا فوجدته ينافس في حطامها، والدنيا كما قال الإمام عليٍّ رضي الله عنه وكرم الله وجهه:
[الدنيا تغرُّ، وتضر وتمر] ـ فينساق في الشبهات أو ينساق في المحرمات، أو ينساق فيما نهت عنه التشريعات، فإذا جاء الموت دخل في قوله صلى الله عليه وسلَّم:
(يُبعث المرء على ما مات عليه).
المهم حُسن الختام، وحُسن الختام يقتضي من المرء اليقظة على الدوام، وأن يتذكر دائماً أن الدنيا إلى فناء، وأن ال**تقر عند الله عز وجل في الدار الآخرة في دار ال**ة دار الجزاء.
نسأل الله عز وجل أن يُثبتنا على الخير والحق والنور حتى نلقاه، ويتوافانا **لمين ويُلحقنا بالصالحين.
ونسأله عز وجل أن يحفظنا من فتن هذه الدنيا، ومن أهوائها وشهواتها وحظوظها، وأن ي**بنا مجالس أهل الغفلة والبطالة فيها، وأن يجعلنا فيها دوماً مع عباده الصادقين ال**تقيمين.
اللهم اجعلنا دوماً فيما تحب وترضى، ووفقنا لكل عملٍ ترضاه، واحفظنا بحفظك من كل المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللسملين وال**لمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ ****ٌ مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين.
اللهم بارك لنا في بلدنا وارزقنا فيها خيراتٌ كثيرة، وتنزل فيها بنعمٍ وفيرة، حتى تغنينا بما تفيضه علينا عن معونات الأصدقاء والأعداء، و**اعدات الآخرين أجم***.
اللهم اجعل بلدنا بلداً آمناً مطمئناً يرفرف على أهلها السلام والوئام والمحبة على الدوام، وارزق قادتها العمل لخير البلاد والعباد، واجمع عليهم البطانة الصالحة واحفظهم من البطانة السيئة وأهل الشر أجم***.
عباد الله إتقوا الله:
?إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ? (90النحل).
من خطب فضيلة ال*** فوزي محمد أبو زيد
للمزيد من الخطب الأسبوعية لوزارة الأوقاف فضلاً اضغط على هذا الرابط
https://www.fawzyabuzeid.com/%d8%ae%...4%d8%a7%d9%85/